بحث

1628095889691.jpg

البطريرك الماروني: نطالب المسؤولين السياسيين بتأليف حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي الأحد الثالث من تموز يوليو في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، وألقى عظة بعنوان "دعا يسوع الإثني عشر، وأعطاهم سلطانًا وأرسلهم" (متى 10: 1 و5).

استهل البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عظته قائلا "نحن ليتورجيًا في زمن العنصرة، وكنسيًا في زمن الكنيسة المرسلة لتعلن إنجيل ملكوت الله، وهو إنجيل شفاء كل إنسان من تسلط الأرواح عليه، ومن الأمراض الحسية والروحية والمعنوية، بإعادة كل ضائع إليها. بدأت هذه الرسالة مع الرسل الإثني عشر، أساقفة العهد الجديد، وتتواصل مع خلفائهم الأساقفة والكهنة معاونيهم بحكم الرسامة الأسقفية والكهنوتية. لكن هذه الرسالة يشارك فيها كل المسيحيين بحكم المعمودية والميرون". دعوة وسلطان وإرسال. ثلاثة مصدرها إلهي. الدعوة مجانية من محبة الله وجودته. والسلطان من المسيح الرب الذي "أُعطي كل سلطان في السماء والأرض" (متى 28: 18). والإرسال منه (متى 28: 18). هذه الثلاثة مؤتمنة عليها الكنيسة، بأساقفتها وكهنتها ومكرسيها ومكرساتها وشعبها. ولا يحق لأحد أن يتصرف بها على هواه، أو أن يجعلها على قياسه، أو أن يخضعها لشروط شخصية أو خارجية".

في عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك الراعي" لا يقتصر العمل الرسولي على الشأن الكنسي، الروحي والراعوي، بل ينبسط أيضًا إلى قطاعات أخرى: إلى القطاع الاجتماعي في كل ما يتعلق بمبدأ "مسؤولية الجميع عن الجميع"، والترابط بين أعضاء المجتمع من أجل التعاون والتكامل؛ وإلى القطاع الاقتصادي في ما يتعلق بإتاحة فرص العمل للجميع، وتعزيز حقوق العمال والأجور اللائقة والكافية لتحقيق الذات وإنشاء عائلة، وتحفيز القدرات الشخصية، وإعطاء تسهيلات للقطاع الخاص والإنتاج المحلي في مختلف القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية والخدماتية؛ وإلى القطاع السياسي في ما يختص بالخير العام والعدالة والسلام".

وأكد غبطته أن "المسيحي الذي يتعاطى الشأن السياسي والعام، مدعو بحكم المعمودية والميرون، ليمارس مسؤوليته بروح الخدمة والتجرد والمناقبيّة؛ وليؤدي الشهادة للقيم الإنسانية والإنجيلية كالحرية والعدالة والإنصاف والتفاني الصادق في سبيل الخير العام؛ وليحترم كل مواطن كشخص بشري له قدسيته وكرامته وحقوقه الأساسية ومستقبله ومصيره، ويعمل على إنمائه الشامل وتحفيز قدراته. ومدعو ليتصدى للإغراءات واللجوء إلى المناورات الخسيسة والكذب واختلاس أموال الدولة، والزبائنية السياسية، واستعمال أساليب غير شرعية للوصول إلى السلطة، والاحتفاظ بها والتوسع فيها بأي ثمن (شرعة العمل السياسي ص 19-21). انطلاقًا من هذه الأخلاقية السياسية نطالب المسؤولين السياسيين بتأليف حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن لحاجة بلادنا إليها أكثر من أي يوم مضى. نريدها حكومة، كما ينتظرها الشعب، جامعة توحي بالثقة من خلال خطها الوطني ومستوى وزرائها، وجديتها في إكمال بعض الملفات العالقة، وضمان استمرار الشرعية وحمايتها من الفراغ. فكما نطالب بإلحاح بتأليف حكومة جديدة، نطالب بإلحاح أيضًا بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، "قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر"، كما تنص المادة 73 من الدستور. وينتظر الشعب اللبناني أن يكون رئيسًا واعدًا ينتشل لبنان من القعر الذي أوصلته إليه الجماعة السياسية، أكانت حاكمة أم متفرجة!"

وأضاف البطريرك الراعي يقول "إن انسحاب لبنان من محيطه ومن العالم حوّله جزيرة معزولة فيما كنّا دولة ونخبًا في قلب الكون وبين الأمم، وشركاء في تقدّم المجتمعات. واليوم، بحكم انحياز أطراف لبنانية عديدة إلى محاور الـمنطقة، صار لبنان يتأثر، مع الأسف، أكثر من غيره بالأحداث التي تجري. ويعزّ على اللبنانيين أن تسعى جميع دول الـمنطقة إلى البحث عن الحلول وعن مكان لها تحت الشمس، فيما نغوص نحن في المشاكل والأزمات. فلا بد من أن يستعيد لبنان طبيعته أي حياده الإيجابي الناشط، الذي هو المدخل الوحيد إلى الاستقرار والنمو. ونحن من موقعنا التاريخي وضميرنا الوطني نضع كل إمكانياتنا وعلاقاتنا لمساعدة المعنيين على تجاوز الصعوبات وتأليف حكومة وانتخاب رئيس منقذ يستعيد سيادة الدولة على كامل أراضيها، والقرار الوطني، ويركّز لبنان في مكانه الطبيعي ودوره الصحيح ورسالته التاريخية. إن التأخير في تأليف حكومة هو استثناء في دول العالم بينما أصبح قاعدة في لبنان. لذا، نحن لسنا في وارد الاستسلام للقدر ولا التسليم بمنطق العيش الدائم في الأزمات ولا الخضوع للأمر الواقع. فلن نوفر جهدًا داخليًا وعربيًا ودوليًا لإنقاذ لبنان. ما عاد الانتظار مرادفًا للتأني، بل لإضاعة الفرص وضياع لبنان، ولن ندعه يضيع مهما كانت التضحيات والمبادرات التي قد نضطر لاتخاذها".

وتابع غبطته "لا نستطيع باسم الكنيسة أن نتخذ موقف المسؤولين السياسيين من الشعب، بل ندينه. فلا نتجاهل أين أصبحت حالة شعبنا! ولا نغمض أعيننا عن مصائبهم ومآسيهم وفقرهم وفقدانهم الغذاء والدواء وهجرتهم! ولا نصم آذاننا عن أنين المرضى والموجوعين! إننا مع المجتمع الدولي نندد بلامبالاة المسؤولين عندنا وسوء حوكمتهم، وتسجيلهم نقاطًا على بعضهم البعض، فيما الشعب يبحث عن لقمة خبز ونقطة ماء وحبة دواء. إنها لجريمة كبرى أن تطغى لعبة المصالح الخاصة في زمن الانهيار على مصلحة الدولة والشعب. بعض المسؤولين يتصرفون وكأن الحال اللبنانية تسمح بترف تبادل الشروط والشروط المضادة، والمناورات والمناورات المضادة، فتمر الأشهر ولا تتشكل الحكومة، فندخل في المجهول. وما يزيد النقمة أن هؤلاء المسؤولين يعرفون الواقع المأساوي ويتابعون الـهزل، ويدركون أنهم يرتكبون ذنبًا مميتًا بحق مواطنيهم ورغم ذلك يقترفونه. وفوق ذلك نسأل: لماذا تتفق الجماعة الحاكمة على تحميل الشعب الضرائب والرسوم، ولا تتفق على تحمل المسؤولية تجاهه؟ يحتجز هؤلاء أموال الشعب في المصارف، ويسلبون أمواله الباقية خارج المصارف. لقد جعلتم الشعب "أداةً ضرائبية" فيما لا يجد ما يسد به كفاف يومه. متى ستكفون عن التضحية بالشعب، وبالتالي بالوطن من أجل مناصبكم وادواركم السلطوية".

في ختام عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي "حيث كثرت الخطيئة فاضت النعمة" (روما 5: 20). قول القديس بولس هذا يشعل الرجاء في القلوب، فنواصل عملنا الرسولي وسط المجتمع والوطن "والمسيح معنا إلى نهاية العالم" (متى 28: 20)؛ وهو ضمانة نجاح رسالتنا. له المجد مع الآب والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".

04 يوليو 2022, 12:58