غزة، غالاغر: الاتفاق بشأن المرحلة الأولى أمر جيّد، والآن يجب العمل من أجل الاستقرار
"من الجيد أنه تم التوصل إلى الاتفاق بشأن غزة، ويجب في هذا السياق الإقرار بجهود رئيس الولايات المتحدة، ترامب. لكن في المقابل، نعلم جميعًا أن الوضع لا يزال هشًا، وأن هناك حاجة الآن إلى كثير من العمل من جميع الأطراف، وخاصة الوسطاء والجهات المعنية". جاءت تصريحات أمين سر دولة الفاتيكان للعلاقات مع الدول، المطران بول ريتشارد غالاغر هذه خلال مشاركته في حوار بعنوان "الدبلوماسية الفاتيكانية والدبلوماسية الدولية"، إلى جانب السفير جيامبييرو ماسولو، رئيس مجموعة Mundys ورئيس اللجنة العلمية لمهرجان الدبلوماسية. وقد استضافت الندوة سفارة إيطاليا لدى الكرسي الرسولي، ضمن فعاليات المهرجان الذي بلغ نسخته السادسة عشرة، وأدارت الحوار الصحفية جوفانا بانكيري.
وبعد كلمات الترحيب التي ألقاها السفير الإيطالي لدى الكرسي الرسولي فرانشيسكو دي نيتّو، انطلقت المحادثة من النتيجة الإيجابية للمفاوضات في الشرق الأوسط والتوقيع على الاتفاق حول المرحلة الأولى من خطة البيت الأبيض، الذي تمّ في شرم الشيخ بمصر. وقال غالاغر: "لقد تعلمنا في هذه السنوات أن السلام هو أحد الخيارات، قرار يمكننا أن نصفه بأنه قرار متعالٍ، ولكن يجب أن تتبعه خيارات واتفاقات أخرى تجعله ملموسًا". وأوضح أن الكرسي الرسولي، في هذا الإطار، "قد قام بكل ما كان في وسعه. لم تتح الفرصة للقيام بدور الوسيط – كما أعترف – لكننا عملنا دائمًا من أجل تشجيع الحوار بين الأطراف والمطالبة باحترام القانون الدولي". وأضاف أن النداءات التي أطلقها كلٌّ من البابا فرنسيس سابقًا والبابا لاوُن الرابع عشر حاليًا كانت متواصلة ضمن ما يُعرف بـ "الدبلوماسية العلنية"، فضلًا عن الدعم الذي قدمته الكنيسة "لجماعاتنا المحلية، ونذكر المكالمات اليومية التي أجراها البابا فرنسيس مع رعية العائلة المقدسة في مدينة غزة"، بالإضافة إلى مبادرات البطريركية اللاتينية في القدس.
وأوضح السفير ماسولو أن "ثمة نقاط هشاشة لا تزال تحتاج إلى حلّ في المرحلة الثانية من الاتفاق – مثل نزع سلاح حماس وانسحاب إسرائيل من القطاع، وهما مسألتان مترابطتان – مع الأخذ بعين الاعتبار التفاوت في موازين القوى على الأرض، وغياب أفقٍ حقيقيٍّ للدولة الفلسطينية في الوقت الراهن، فضلًا عن أن الترتيب الحالي تم التوصل إليه من خلال السلاح: ففي رؤية ترامب، هذه هي الوسيلة التي تفتح الطريق أمام الدبلوماسية". لكنه رأى مع ذلك أن هناك "أرضية مشتركة للمصلحة" تتمثل في آفاق اتفاقيات إبراهيم.
وأشار المطران غالاغر إلى أن عامين من النزاع قد تسببا أحيانًا في "بعض حالات سوء الفهم" في العلاقات مع الديانات الأخرى، "وخاصة مع اليهودية"، مضيفًا: "لكن علينا أن نسير في درب المصالحة". أما في ما يخصّ الإسلام، فقد "أُنجز الكثير بفضل حبريّة البابا فرنسيس: فمن جهة، العلاقات مع العالم السني من خلال الاتصالات مع شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب، ومن جهة أخرى، مع العالم الشيعي من خلال الزيارة إلى العراق ولقاء آية الله علي السيستاني". وأكد أن "القرارات التي اتخذها آباء المجمع الفاتيكاني في إعلان Nostra Aetate لا رجعة فيها: بالطبع ما زال أمامنا الكثير لنقوم به، لكننا نواصل التقدّم. ينبغي لمصادرنا الدينية أن تكون مصادر مصالحة".
وعند تطرّقه إلى الأزمة الروسية – الأوكرانية، عبّر المطران غالاغر عن الرجاء في أن "يتم التوصل عاجلًا أم آجلًا إلى سلام، رغم أنه لا يبدو قريبًا بعد"، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي "أكثر تعقيدًا بكثير من الوضع في الشرق الأوسط". وأوضح أنه في ظلّ "حالة الشلل التي تصيب حاليًا القطاع المتعدد الأطراف"، فإن مهمة الكرسي الرسولي "تتمثل في الاستمرار في تسهيل الاتصالات". واعتبر أمرًا إيجابيًا أن البابا لاوُن الرابع عشر "قد أكد استمرار المهام الإنسانية التي يقوم بها الكاردينال زوبّي من أجل تبادل الأسرى – وهو المجال الذي تحققت فيه بعض النتائج – ومن أجل الأطفال أيضًا". أما السفير ماسولو، فأشار إلى أنه "في الشرق الأوسط، رغم أن الأمور احتاجت إلى وقت، بدت الديناميكيات دائمًا وكأنها تتجه نحو الحل، بينما في أوكرانيا تنقص الشروط الأساسية لتقاطع المصالح بين الأطراف، كما حدث في اتفاقيات إبراهيم بالنسبة إلى الشرق الأوسط". وأضاف أن الرئيس ترامب قد يملك القدرة على "استخدام بعض أدوات الضغط، لا سيما على موسكو".
وتحدث غالاغر في الختام عن الأزمات والنزاعات المنسية، أو تلك التي تحظى "باهتمام إعلامي أقل"، ومع ذلك يواصل الكرسي الرسولي إيلاءها اهتمامًا دائمًا، مثل السودان "حيث هناك حرب أهلية حقيقية"، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومنطقة الساحل، ومدغشقر، وميانمار، "حيث تواصل الكنيسة العمل على المستوى المحلي مع العديد من جماعاتها". وأشار أيضًا إلى الزيارة المقبلة للبابا لاوُن إلى تركيا، مؤكدًا أن "مجمع نيقية هو أساسي في تاريخ المسيحية"، ومشددًا على أهمية التعاون مع بطريركية القسطنطينية والحفاظ على علاقات مثمرة مع أنقرة بوصفها "فاعلًا دوليًا رئيسيًا". كما تطرّق إلى لبنان، الذي "كان البابا فرنسيس قد قطع له وعدًا رسميًا، ربطه أيضًا بتعيين رئيس جديد للجمهورية"، مؤكدًا أنه "ينبغي العمل من أجل ترسيخ السلام وحمل الاستقرار إلى المنطقة".
أخيرًا، وبخصوص زيارة الحبر الأعظم إلى رئيس الجمهورية الإيطالية، سيرجيو ماتاريلا، وهي الأولى له إلى الخارج، قال المطران غالاغر: "إنه يوم يبعث على ارتياح كبير للكرسي الرسولي. فقد ظهر بوضوح التفاهم المشترك مع إيطاليا حول موضوع السلام".
