كلمة البابا إلى المشاركين في الجمعية العامة الـ١٠٤ لاتحاد الرؤساء العامين كلمة البابا إلى المشاركين في الجمعية العامة الـ١٠٤ لاتحاد الرؤساء العامين  (@VATICAN MEDIA)

كلمة البابا إلى المشاركين في الجمعية العامة الـ١٠٤ لاتحاد الرؤساء العامين

استقبل البابا لاون الرابع عشر عصر الأربعاء في قاعة السينودس بالفاتيكان المشاركين في الجمعية العامة الرابعة بعد المائة لاتحاد الرؤساء العامين ووجه لهم كلمة توقف فيها عند أهمية العلاقة مع الله، اللقاء مع الأخوة والحوار مع العالم الرقمي.

استهل الحبر الأعظم خطابه معرباً عن سروره بهذا اللقاء ولفت إلى أنه كان هو أيضا رئيساً عاما وبالتالي إنه يُدرك تماماً أهمية اللقاء الهادف إلى الإصغاء وتمييز، في ضوء الروح القدس، مشيئة الرب لهم وللجمعيات الرهبانية التي يرأسونها، من أجل خير الكنيسة كلها. بعدها أوضح البابا أن أعمال الجمعية العامة تتناول ثلاث مسائل هامة في مجتمعات اليوم ألا هي العلاقة مع الله، اللقاء مع الأخوة والحوار مع العالم الرقمي.

في سياق حديثه عن العلاقة مع الله، توقف لاون الرابع عشر عند دعوة البابا فرنسيس المؤمنين خلال سنة اليوبيل لأن يكونوا حجاج رجاء، مذكرا بأن تاريخ البشرية وتاريخ كل واحد منا لا يسيران في طريق مسدود لأنهما موجهان نحو اللقاء مع رب المجد، لذا نكرر مع المسيحيين الأوائل الصلاة التالية قائلين اليوم أيضا: تعال أيها الرب يسوع. هذا وأوضح البابا بريفوست أن رجاءنا يرتكز إلى إدراكنا للسير نحو اللقاء والشركة الكاملة مع الله، الذي بادرنا هو إذ أراد أن يكون صديقنا، كما كتب البابا يوحنا بولس الثاني في الإرشاد الرسولي حول الحياة المكرسة.

من هذا المنطلق، تابع لاون الرابع عشر، تكتسب الصلاة أهمية كبيرة في حياة كل شخص مكرس، لأنها تشكل فسحة نفتح فيها القلب على الرب، ونتعلم كيف نطلب منه وننال، بثقة وامتنان، محبته الشافية، التي تبدل الإنسان وتعطي دفعاً للرسالة. وبهذه الطريقة نشهد على أننا بشر نحتاج إلى كل شيء واضعين أنفسنا بتصرف رعاية الخالق وبين يديه الطيبتين. لذا لا بد أن ننمّي هذا الإيمان كي لا يضعف، وكي لا يخنقه القلق أو الادعاء بأننا مسؤولون عن تقديم خدمات عديدة. وهنا نواجه خطر أن نراوح مكاننا، أو أن تتحول مسيرة الحج التي نجتازها إلى سباق فوضوي يُنهك الإنسان، وينسى مصدره ووجهته النهائية. في هذا السياق، مضى الحبر الأعظم إلى القول، تقدم لنا سنة اليوبيل فرصة ثمينة للعودة إلى الأمور الهامة في الحياة، معانقين قلب الله المضطرم، وهكذا يقودنا نوره ودفؤه ويغذيان مسيرتنا الشخصية والجماعية.

بعدها انتقل البابا إلى الحديث عن الفكرة الثانية التي تناولتها الجمعية العامة، ألا وهي اللقاء مع الأخوة، وذكّر بأن البابا فرنسيس تطرق إلى هذا الموضوع بشكل مسهب في رسالته العامة Fratelli Tutti، داعياً إلى الالتقاء مع الآخرين في إطار فكرة "نحن" التي هي أقوى من مجموع الأفراد، كما شدد الحبر الأعظم الراحل على ضرورة اكتشاف ونقل خبرة العيش معا، وذلك في الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل". من هذا المنطلق، تابع لاون الرابع عشر يقول، تشكل الجمعيات الرهبانية أجساماً يترابط بداخلها الأعضاء مع بعضهم البعض، بدافع الإنسانية المشتركة، والإيمان نفسه، والانتماء للمسيح وأيضا نتيجة الدعوة التي توحدهم في الأخوة. وبهذه الطريقة تتحول العلاقات، ضمن الكنيسة، إلى روابط مقدسة، إلى قنوات للنعمة، وتصبح عروقاً وأوردةً حية تغذي الجسم الواحد بالدماء نفسها.

في معرض حديثه عن الفكرة الثالثة والأخيرة التي تناولها المشاركون في الجمعية العامة، ألا وهي الحوار مع العالم الرقمي، أكد الحبر الأعظم أن التكنولوجيا المعلوماتية تشكل اليوم تحدياً أيضا بالنسبة للأشخاص المكرسين. فهي تقدم من جهة إمكانات هائلة للخير، أكان في مجال الحياة الجماعية أم على صعيد الرسالة. ولا يسعنا أن نتجاهل الفرص الخارقة التي تقدمها التكنولوجيات الحديثة للشركة وللرسالة، إذ تسمح لنا ببلوغ أشخاص بعيدين، وبتقاسم الإيمان من خلال لغات جديدة، وبالوصول إلى من يعجزون عن الاقتراب من جماعاتنا بالوسائل التقليدية. لكن هذه التكنولوجيات يمكنها، من جهة أخرى، أن تؤثر بقوة على طريقة بناء العلاقات وسبل الحفاظ عليها، وهذا التأثير لا يكون دائما نحو الأفضل. واعتبر لاون الرابع عشر أنه من السهل، على سبيل المثال، أن يحل التواصل الافتراضي مكان العلاقات الحقيقية بين الأشخاص، حيث يكتسب الحضور أهمية جوهرية، شأن الإصغاء المطول والصبور، والمقاسمة العميقة للأفكار والمشاعر. وهو موضوع تطرق إليه أيضا البابا فرنسيس في الإرشاد الرسولي "المسيح يحيا".

تابع لاون الرابع عشر خطابه متوجهاً مباشرة إلى الرؤساء العامين، وذكّرهم بأنهم مدعوون إلى الحفاظ على الأخوة والشركة، والتنبه حيال الوسائل التكنولوجية كي لا تؤثر سلبا على أصالة العلاقات، وكي لا تحدّ من الفسحات الضرورية لتنميتها. ولفت الحبر الأعظم في هذا السياق إلى أن الأدوات والوسائل التقليدية كالمجامع والمجالس والزيارات القانونية الكنسية ودورات التنشئة لا يمكن أن تتم من خلال التواصل عن بُعد، وذلك لأن جهد التلاقي والحوار هو جزء لا يتجزأ من هويتنا الإنجيلية. وضمن هذا المشهد الذي يتميز بالأنوار والظلال هناك تحدّ ينتظرنا ألا وهو أن نسعى إلى الدمج بين ما هو حديث وقديم، وأن نسعى في الآن معا إلى تنمية العلاقة مع الله ومع الأخوة، دون أن نتجاهل أو نخنق المواهب الجديدة التي يضعها بين أيدينا، بدافع الكسل أو الخوف.

في ختام كلمته إلى المشاركين في أعمال الجمعية العامة لاتحاد الرؤساء العامين، شكر البابا لاون الرابع عشر ضيوفه على كل المهام الصعبة والحساسة التي يقومون بها، ثم باركهم من صميم القلب مؤكداً أنه يصلي من أجلهم جميعا.

27 نوفمبر 2025, 11:34