البابا يترأس الاحتفال بالقداس الإلهي في عيد المسيح ملك الكون واحتفالاً بيوبيل الجوقات البابا يترأس الاحتفال بالقداس الإلهي في عيد المسيح ملك الكون واحتفالاً بيوبيل الجوقات   (ANSA)

البابا يترأس الاحتفال بالقداس الإلهي في عيد المسيح ملك الكون واحتفالاً بيوبيل الجوقات

لمناسبة يوبيل الجوقات واحتفالاً بعيد المسيح ملك الكون، ترأس البابا لاون الرابع عشر صباح الأحد القداس الإلهي في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان بحضور حشد غفير من المؤمنين وممثلين عن جوقات قدموا من مختلف أنحاء العالم لمناسبة السنة اليوبيلية.

ألقى الحبر الأعظم خلال القداس عظة استهلها قائلا إن ليتورجيا اليوم تدعونا إلى السير معاً في التسبيح والفرح للقاء الرب يسوع المسيح ملك الكون، الملك الوضيع والمتواضع، من هو بداية ونهاية الأشياء كلها. سلطته هي المحبة، عرشه هو الصليب، وبواسطة الصليب يُشع نور ملكوته في العالم كله. وهو يملكُ من على الصليب كأمير للسلام، وملك للبر، ومن خلال آلامه يكشف للعالم عن رحمة قلب الله. وهذه المحبة هي مصدر إلهام وسبب للترانيم التي تنشدها الجوقات.

بعدها توجه البابا إلى أعضاء الجوقات والموسيقيين وقال إنهم يحتفلون في هذا اليوم بيوبيلهم، ويرفعون الشكر للرب على هبة ونعمة أن يخدموه بواسطة أصواتهم ومواهبهم، ويصنعون كل ذلك لمجده وللنمو الروحي للأخوة. فواجبهم، قال البابا، يتمثل في إشراك المؤمنين في تسبيح الله وفي جعلهم مشاركين في العمل الليتورجي من خلال الأناشيد. لذا فإن أعضاء الجوقات والموسيقيين يعبرون اليوم عن غبطتهم التي تنبع من قلب مفعم بفرح النعمة.

هذا ثم ذكّر لاون الرابع عشر بأن الحضارات العريقة وهبتنا الموسيقى كي نعبّر عما نحمله في أعماق قلبنا، وما تعجز الكلمات غالباً عن وصفه. ومما لا شك فيه أن كل المشاعر والأحاسيس التي تولد في داخلنا، بفضل علاقة حية مع الواقع، يمكن أن تجد صوتاً لها في الموسيقى. كما أن الأناشيد بنوع خاص تمثل تعبيراً طبيعياً ومتكاملاً عن الكائن البشري: عن العقل، المشاعر، الجسم والنفس، وكلها تتحد مع بعضها البعض من خلال الأناشيد لتتكلم عن الأمور العظيمة في هذه الحياة. وقد تحدث القديس أغسطينس عن هذا الموضوع قائلا إن النشيد هو لمن يُحب. لأن من يتلو الأناشيد يعبر عن المحبة، كما عن مشاعر الألم والحنان والرغبة الموجودة في قلب الإنسان، وهو في الوقت نفسه يحب من يوجّه إليه هذه الأناشيد.

تابع البابا عظته قائلا إن الأناشيد، بالنسبة لشعب الله، هي تعبير عن الابتهال والتسبيح، إنها عبارة عن النشيد الجديد الذي يرفعه المسيح القائم من الموت إلى الله الآب، جاعلا كل الأشخاص المعمدين مشاركين فيه، كجسد واحد، تحركه الحياة الجديدة بواسطة الروح القدس. وفي المسيح نصبح منشدين للنعمة، كأبناء للكنيسة يجدون في الرب القائم من الموت سبباً لهذا التسبيح. وبهذا الشكل، تابع الحبر الأعظم قائلا، تصير الموسيقى الليتورجية أداة ثمينة نؤدي من خلالها خدمة التسبيح لله، ونعبر في الآن معاً عن فرح الحياة الجديدة في المسيح يسوع.

وذكّر البابا في هذا السياق بأن القديس أغسطينس يحثنا على السير منشدين، كمسافرين يشعرون بالتعب، لكن يجدون في الأناشيد تذوقاً للفرح الذي سيشعرون به لدى بلوغهم وجهتهم. وأكد لاون الرابع عشر أن الانتماء إلى جوقة ما يعني السير مع الآخرين إلى الأمام، ممسكين بأيدي الأخوة، لنساعدهم على السير معنا، رافعين معهم أناشيد التسبيح لله، ونعزيهم في آلامهم، ونشجعهم لدى استسلامهم للتعب، ونمدهم بالحماسة عندما يبدو أن التعب بدأ يطغى عليهم. ولفت الحبر الأعظم إلى أن الأناشيد تذكرنا دائما بأننا كنيسة سائرة، عبارة عن واقع سينودسي أصيل، قادرة على أن تتقاسم مع الجميع الدعوة إلى التسبيح والفرح، ضمن مسيرة حج مطبوعة بالمحبة والرجاء.

مضى لاون الرابع عشر إلى القول إن القديس أغناطيوس الأنطاكي تطرق إلى العلاقة القائمة بين نشيد الجوقة ووحدة الكنيسة، لافتا إلى أن الأناشيد تُرفع بصوت واحد، وبشكل متناغم، إلى الرب يسوع المسيح الذي يصغي إلى المؤمنين ويعترف بأعمالهم الحسنة. ومما لا شك فيه أن الأصوات المختلفة ضمن الجوقة الواحدة ترتفع بتناغم، ويولد منها تسبيح واحد، وهو رمز نيّر للكنيسة، التي توحّد الجميع، بواسطة المحبة، ضمن لحن عذب واحد.  

هذا ثم قال الحبر الأعظم إن المشاركين في القداس ينتمون إلى جوقات ملتزمة أساساً في مجال الخدمة الليوتورجية. وهي خدمة تقتضي إعداداً، وأمانة وتفاهما متبادلا، وتتطلب قبل كل شيء حياة روحية عميقة، لأنه إذ أنشد المرنمون مصلّين، يساعدون الجميع على الصلاة. كما أن هذه الخدمة تقتضي انضباطاً وروحاً من الخدمة، خصوصا لدى الإعداد لليتورجيا احتفالية، أو لحدث هام بالنسبة للجماعات المحلية. والجوقة – تابع البابا يقول – هي عائلة صغيرة تتألف من أشخاص مختلفين، لكن ما يوحدهم هو حبّهم للموسيقى وللخدمة.

ولا بد أن نتذكّر أيضا أن الجماعة هي عائلتنا الكبرى، ونحن جزء منها، وينبغي أن نساعدها على تعزيز روابط الوحدة، وأن نكون مصدر إلهام لها. ويمكن أن يطغى على العلاقات التوتر أو سوء الفهم، كما يحصل في كل العائلات، وهو أمر طبيعي عندما نعمل معاً ونحاول أن نصل إلى نتيجة ما. ويمكن القول إن الجوقة ترمز أيضا إلى الكنيسة التي تسير نحو وجهتها النهائية، على دروب التاريخ رافعة أناشيد التسبيح لله. وقد لا تخلو هذه المسيرة من الصعوبات والتجارب، وتتخللها أوقات فرحة وأوقات متعبة، بيد أن الأناشيد تخفف من أعباء السفر، وتمنحنا الراحة والسلوان.

من هذا المنطلق شجع البابا المشاركين في يوبيل الجوقات على الالتزام في جعل جوقاتهم واقعاً رائعاً من التناغم والجمال، وحثّهم على أن يكونوا دائماً صورة نيّرة للكنيسة التي تسبح ربّها. وطلب منهم أيضا أن يتعمقوا في دراسة تعاليم الكنيسة، التي تحدد، بواسطة الوثائق المجمعية، الإجراءات الواجب التقيّد بها من أجل تأدية هذه الخدمة على أكمل وجه. ودعاهم إلى جعل شعب الله مشاركاً فاعلاً في هذه الخدمة. وبهذه الطريقة يصبح أعضاء الجوقات علامة بليغة لصلاة الكنيسة التي تعبر عن محبتها لله من خلال الموسيقى. وطلب البابا من الجميع أن يتنبهوا كي تبقى حياتهم الروحية دوماً على مستوى الخدمة التي يقومون بها، وهكذا تعبر هذه الخدمة عن نعمة الليتورجية.

في ختام عظته أوكل البابا لاون الرابع عشر المشاركين في يوبيل الجوقات إلى شفاعة القديسة شيشيليا، العذراء والشهيدة الرومانية، التي رفعت نشيد حب للرب ووهبت حياتها للمسيح مقدمة للكنيسة شهادةً نيرة للإيمان والمحبة.              

23 نوفمبر 2025, 13:07