تطويب ٥٠ شهيدًا قتلهم النازيون، وعن هوليريش: واحة فردوس في جحيم المعسكرات
ترأس الكاردينال جان كلود هوليريش، كمندوب للأب الأقدس، القداس الإلهي لإعلان تطويب الخمسين شهيدًا للرسالة الكاثوليكية في ألمانيا، في كاتدرائية نوتردام في باريس. وقد وصف الكاردينال هؤلاء الشهداء الذين سيُرفعون اليوم إلى مجد المذابح بـ "مصادر نور" في "عصر المجازر الحالِك". فقد كانوا مكرّسين وإكليريكيين ومؤمنين علمانيين أدوا خدمة العمل الإلزامي على الأراضي الألمانية وقتِلوا بسبب إيمانهم إبان الحكم النازي بين عامي ١٩٤٤ و١٩٤٥. وكان حب المسيح هو الذي دفعهم إلى التطوع لخدمة إخوتهم المرحلين. شباب تتراوح أعمارهم بين ٢٠ و٣٥ عامًا، قبلوا دون تردد، مع العديد من رسل مجهولين آخرين، أن يكونوا حاضرين وسط الكرب الروحي والأخلاقي الذي كان يعيشه مليون ونصف المليون من العاملين الفرنسيّين وقد حُرموا من أي مرجعية دينية، إذ كان يُحظر على الكهنة الألمان ممارسة الكهنوت لصالحهم، كما أوضح الكاردينال اليسوعي في عظته. وقد تُليت قائمة أسماء الشهداء الطويلة في مستهل القداس: "لقد نجحوا في خلق واحات من الفردوس وسط جحيم المعسكرات."
من الأسماء المدرجة على القائمة، ورد اسم ريمون كَيريه وهو كاهن أبرشي وجيرار-مارتن سيندرييه وهو راهب من رهبانية الإخوة الأصاغر وروجيه فاليه وهو إكليريكي وجان ميستر وهو علماني و٤٦ رفيقًا لهم. هم الشهداء الذين شكلوا جماعة من قوات السلام والنجدة في الإيمان بيسوع. هم الشهداء الذين يتم تطويبهم اليوم. قادمين من حوالي ٣٠ أبرشية ومن معاهد حياة مكرسة مختلفة، من العمل الكاثوليكي ومن الكشافة، تشاركوا الحماس والمخاوف واندفاعات السخاء والمعاناة، وهذا بحسب ما ذكّر به رئيس أساقفة لوكسمبورغ الذي استشهد ببعضهم كنموذج رمزي للتعرف على نهج الآخرين. ما يجمع بينهم هو حياة الخدمة: "لقد جعل الجميع، من دون استثناء، من حياتهم ونشاطهم وسجنهم واستشهادهم خدمةً، ويا لها من خدمةٍ! تبعوا المسيح كتلاميذَ حقيقيين وساروا على خطى معلمهم". إنها أمثلة تدعو للتأمل في حاضرنا أيضًا وكما قال الكاردينال: "في خضم دوامة الحرب والفظائع غير الإنسانية التي نعرفها في أيامنا هذه، أظهر هؤلاء الشهداء وكلُّ من شاركهم مثلهم الأعلى وسخاءهم ومصيرَهم، لإخوتهم الحضور الذي لا يتزعزع لمحبة الله ورحمته. لقد نجحوا في خلق، وسط جحيم المعسكرات، واحات من الفردوس حيث كان الحب قادرًا على بث الشجاعة مجددًا وتضميد جراح القلب وتبديد الخوف وبث الرجاء."
لقد حركتهم الرغبة في القداسة والطاعة لعمل الروح القدس والأمانة حتى الموت والحب ليسوع الذي كان يفوق حبَّهم لوالديهم. وقال الكاردينال هوليريش إنهم حملة رسالة لا يمكن أن تشيخ: "الحب لا يزول أبدًا!" وأضاف الكاردينال إنّ حياتَهم تدعو إلى إعادة اكتشاف قيمة المعمودية التي "تُلزمنا بتغذية حياتنا ونشاطاتنا المتعددة بهذا الإيمان وبهذه الشركة مع المسيح". من هنا، اقتبس شهادات صانعي السلام والمصالحة مثل شومان ودي غاسبري وأدناور الذين "كرّسوا حياتهم لخدمة الخير العام". بعدئذٍ، جاءت ملاحظة مريرة جدًا على حاضرنا هذا: "لقد عشنا على مدى ثمانين عامًا، أطول فترة سلام عرفتها أوروبا الغربية في تاريخها الطويل، ومع ذلك، لسنا بمنأى لا عن الحرب ولا عن العنف". ودعا الكاردينال هوليريش، بأسلوب مؤثر، إلى العمل معًا في أوروبا من أجل السلام. كما شدد أيضًا على أنّ الإيمانَ يجب أن يجدَ معنىً ملموسًا في الأخوّة بينما كان النازيون يحتقرون الحرية الدينية. "في حين أُجبروا على احترامها في ألمانيا، كانوا يُظهرون هويتَهم الحقيقية على الأراضي المحتلة." لذلك فإنّ الشهداء الذين نحتفل بهم اليوم هم "شهداء الحرية الدينية".
اختتم الكاردينال هوليريش عظتَه داعيًا الشباب الكاثوليك إلى عيش اتباع المسيح بملئه: وهكذا تصبح الحياة جميلةً. إنّ شهادة الشهداء "مهمةٌ لمستقبل الكنيسة في أوروبا". وتمنى رئيس أساقفة لوكسمبورغ أن يدفع حبُ يسوعَ نفسُه، الذي حرّك هؤلاء الرسل، الشباب لكي يصبحوا "رسلًا مُرسَلين". كما ذكّر بالكلمات التي كان يحب البابا فرنسيس تكرارَها: يبدأ الارتداد من العقل ولكن يجب أن يمرَّ بالقلب. "وأنتم جميعًا، شباب فرنسا وأوروبا، أنتم الذين لم تعودوا ترون معنى لحياتكم، أنتم الذين تبحثون عن هوية تجعلكم تعيشون الحياة بملئها، أنظروا إلى المسيح، أمير السلام، وتعلموا منه، كما من إخوتكم الكبار الذين استشهدوا وطُوِّبوا اليوم، أن تلتزموا من أجل خير إخوتكم وأخواتكم!"