بحث

البابا فرنسيس يسلِّم الرئيس الإيطالي ماتاريلا جائزة بولس السادس الدولية ٢٩ أيار مايو ٢٠٢٣ البابا فرنسيس يسلِّم الرئيس الإيطالي ماتاريلا جائزة بولس السادس الدولية ٢٩ أيار مايو ٢٠٢٣  

البابا فرنسيس يسلِّم الرئيس الإيطالي ماتاريلا جائزة بولس السادس ويتحدث عن الخدمة والمسؤولية كأساس للسياسة

كانت الخدمة والمسؤولية محور كلمة البابا فرنسيس اليوم الاثنين خلال تسليمه الرئيس الإيطالي سيرجو ماتاريلا جائزة بولس السادس.

اختير رئيس الجمهورية الإيطالية سيرجو ماتاريلا للحصول على جائزة بولس السادس الدولية التي يمنحها المعهد الذي يحمل اسم البابا القديس. وسلَّم البابا فرنسيس الاثنين ٢٩ أيار مايو الرئيس الإيطالي الجائزة، معربا في بداية كلمته لهذه المناسبة عن سعادته لتسليم الجائزة كما وشكر معهد بولس السادس على ما يقوم به من عمل ثمين للحفاظ على ذكرى البابا القديس وكتاباته وأحاديثه، والتي تشكل منجما لا ينضب للفكر وشهادة للحياة الروحية العميقة التي حفزت أعمال هذا الراعي الكبير للكنيسة، قال البابا فرنسيس.

ثم تحدث الأب الأقدس عن تشديد المجمع الفاتيكاني الثاني على دور المؤمنين العلمانيين، وأضاف أن العلمانيين وبفضل المعمودية لديهم رسالة بكل معنى الكلمة، وذلك في إشارة، وحسب ما جاء في الوثيقة المجمعية الدستور العقائدي في الكنيسة "نور الأمم"، إلى أن العلمانيين يعيشون وسط العالم أي يقومون بجميع أعماله، والواجبات المختلفة على أنواعها، في الظروف العادية للحياة العائلية والاجتماعية. ومن بين هذه الأعمال والواجبات، تابع البابا فرنسيس، تَبرز السياسة والتي هي أسمى أشكال الخدمة حسب ما وصفها البابا بيوس الحادي عشر. وتساءل الأب الأقدس بالتالي كيف يمكننا أن نجعل الأفعال السياسية شكلا من أشكال المحبة، ومن جهة أخرى كيف تعاش المحبة، أي الحب بأسمى معانيه، داخل الديناميكيات السياسية. وتابع قداسته أن الإجابة تكمن في كلمة: الخدمة، وذكَّر هنا بحديث البابا بولس السادس عن ضرورة أن يَعتبر مَن يمارسون سلطات سياسية أنفسهم خداما لمواطنيهم بدون سعي إلى مصالح خاصة وبالاستقامة الضرورية لوظائفهم. إلا أننا نعرف، قال البابا فرنسيس، أن هذا ليس بأمر سهل وأن الإغراء المنتشر في كل زمان، وحتى في أفضل النظم السياسية، هو الاستفادة من السلطة بدلا من الخدمة من خلالها.

وتابع قداسة البابا مشيرا إلى أن المسيح ذاته قد تكلم عن صعوبة خدمة الآخرين بواقعية يطبعها الحزن حين قال "تَعلَمونَ أَنَّ الَّذينَ يُعَدُّونَ رُؤَساءَ الأُمَمِ يَسودونَها، وأَنَّ أَكابِرَها يَتَسَلَّطونَ علَيها". إلا أن يسوع يواصل قائلا لتلاميذه "فلَيسَ الأَمرُ فيكم كذلِك. بل مَن أَرادَ أَن يَكونَ كَبيراً فيكم، فَلْيَكُنْ لَكُم خادِماً". ومذ تلك اللحظة أصبح الكِبر بالنسبة لنا نحن المسيحيين مرادفا للخدمة، قال الأب الأقدس. ثم تابع معربا عن قناعته بأن منح الرئيس الإيطالي سيرجو ماتاريلا جائزة بولس السادس يشكل فرصة للاحتفاء بقيمة وكرامة الخدمة، أسمى أساليب العيش الذي يضع الآخرين قبل التطلعات الشخصية. ووجه البابا فرنسيس كلماته إلى الرئيس الإيطالي قائلا إن صحة ما قال سابقا يشهد لها الشعب الإيطالي الذي لا ينسى كيف تنازل الرئيس عن الراحة التي يستحقها وذلك من أجل ما طُلب منه لخدمة الدولة، وذلك في إشارة إلى الطلب المُلح الذي وُجه إلى سيرجو ماتاريلا من أجل مد فترة رئاسته التي كانت قد انتهت.

ثم تحدث البابا فرنسيس عن خطر أن تظل الخدمة مثلا أعلى مجردا وذلك حين تغيب كلمة أخرى لا يمكن فصلها عن الأولى، ألا وهي المسؤولية، والتي تكمن في القدرة على تقديم إجابات. واشار قداسته إلى اثبات الرئيس ماتاريلا هذا بتقديم المثل أولا ثم بالكلمات. وفي سياق الحديث عن المسؤولية تطرق قداسة البابا إلى تضرر مقاطعة إيميليا رومانيا الإيطالية من الأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربتها مؤخرا، فقال إن سكان هذه المقاطعة قد أثبتوا أن المسؤولية تدعو كل واحد إلى السير عكس التيار، أي عكس أجواء التشكي والاستسلام، وذلك كي يَعتبر كل شخص احتياجات الآخرين احتياجاته ويعيد اكتشاف كونه جزءً لا غنى عنه في النسيج الاجتماعي والبشري الواحد الذي ننتمي إليه جميعا. هذا وكان الالتزام من أجل الشرعية من بين ما تطرق إله البابا فرنسيس مشيرا إلى كون هذا الالتزام عنصرا أساسيا في العيش معا، وأضاف أن هذا يتطلب الكفاح والعزم وتذكُّر مَن ضحوا بحياتهم من أجل العدالة. وتابع الأب الأقدس مشيرا إلى أن الرئيس الإيطالي يؤكد هذا الالتزام بالأفعال والأقوال.

وواصل الأب الأقدس الحديث عن المسؤولية فعاد إلى البابا القديس بولس السادس وقال إنه قد لمس أهمية مسؤولية كل فرد من أجل العالم. وأضاف أن بولس السادس قد تحدث عن هذا في سياق الحديث عن السلام داعيا إلى عدم الاستسلام امام عدم التوازن والظلم العالمي، وذلك انطلاقا من أن القضية الاجتماعية هي مسألة أخلاقية، وأيضا من أن العمل التضامني بعد حربين عالميتين لا يمكن أن يكون تضامنيا بالفعل إلا إذا كان عالميا حسب ما أكد البابا القديس. وواصل البابا فرنسيس أن البابا بولس السادس قد لمس قبل أكثر مما يزيد عن خمسين سنة ضرورة مواجهة التحديات المناخية وذلك أمام خطر بيئة قد لا تتحمل الإنسان، حسب ما ذكر، بسبب نشاطاته المدمِّرة وتَسلُّطه على الخليقة. وتحدث البابا القديس في هذا السياق عن ضرورة أن يعير المسيحيون انتباههم إلى هذه الأمور وذلك من أجل أن يتحملوا مع الآخرين مسؤولية مصير أصبح مشتركا.

وفي ختام كلمته لمناسبة تسليمه الرئيس الإيطالي سيرجو ماتاريلا جائزة بولس السادس شدد البابا فرنسيس على أن البابا بولس السادس كان يعتبر روح الخدمة وحس المسؤولية الأساس لبناء الحياة الاجتماعية. وقد ترك لنا، تابع الأب الأقدس، إرثا مُلزِما، ألا وهو بناء جماعة تضامنية. وواصل البابا فرنسيس أن هذا كان حلم البابا القديس الذي تحدث عن جماعةِ مشارَكة وحياة يحفزها الالتزام من أجل بناء تضامن فاعل ومعاش. ليست هذه يوتوبيا، قال الأب الأقدس، بل هي نبوُّة تحث على عيش مُثل عليا. ثم قال البابا فرنسيس للرئيس الإيطالي إنه يسعده ان يكون أداة للامتنان له، وذلك باسم كل مَن يرون في سيرجو ماتاريلا معلِّما، وفي المقام الأول شاهدا أمينا للخدمة والمسؤولية. 

30 مايو 2023, 09:55