بحث

كلمة البابا لاوُن الرابع عشر لمناسبة يوبيل العاملين في مجال العدالة ٢٠ أيلول سبتمبر ٢٠٢٥ كلمة البابا لاوُن الرابع عشر لمناسبة يوبيل العاملين في مجال العدالة ٢٠ أيلول سبتمبر ٢٠٢٥  (@Vatican Media)

البابا لاوُن الرابع عشر يوجه كلمة لمناسبة يوبيل العاملين في مجال العدالة

العدل كفضيلة وكيفية تحقيقه، كان هذا محور كلمة قداسة البابا اليوم السبت في ساحة القديس بطرس لمناسبة يوبيل العاملين في مجال العدالة.

وجه قداسة البابا لاوُن الرابع عشر اليوم السبت ٢٠ أيلول سبتمبر كلمة في ساحة القديس بطرس لمناسبة يوبيل العاملين في مجال العدالة. وعقب ترحيبه بالجميع تحدث قداسته عن اليوبيل فقال إنه يجعلنا جميعا حجاجا يريدون، من خلال إعادة اكتشاف علامات الرجاء الذي لا يُخيِّب، العثور مجدَّدا على الثقة الضرورية في الكنيسة وفي المجتمع، في العلاقات ما بين الأشخاص، العلاقات الدولية، تعزيز كرامة كل شخص واحترام الخليقة، وذلك حسبما كتب البابا فرنسيس في مرسوم الدعوة إلى يوبيل الرجاء. وتابع البابا أنه ما من مناسبة أفضل للتأمل عن كثب في العدالة ووظيفتها، والتي وكما نعلم لا غنى عنها سواء لتنمية المجتمع أو كفضيلة رئيسة تُلهِم وتُوجِّه ضمير كل رجل وامرأة.

وتابع الأب الأقدس أن العدالة لا يمكن اختزالها إلى مجرد تطبيق للقوانين أو إلى عمل القضاة أو الاقتصار على الجوانب المتعلقة بالإجراءات. وذكَّر البابا بما جاء في المزامير "أحببتَ البر وأبغضتَ الشر" (مز ٤٥، ٨)، وأضاف أن الكتاب المقدس يدعو كل واحد منا إلى عمل الخير وتفادي الشر. وأشار أيضا إلى عبارة "أعطِ كل شخص حقه" وما تحتويه من حكمة، إلا أن كل هذا لا يسد الرغبة العميقة الكامنة في كل واحد منا في العدل، ذلك التعطش إلى العدالة التي هي الوسيلة الأساسية لبناء الخير المشترك في أي مجتمع بشري. وقال قداسة البابا إن في العدالة تجتمع كرامة الشخص وعلاقته بالآخر وبُعد الجماعة الذي يقوم على التعايش، والبنى والقواعد المشتركة، وتحدث بالتالي عن دائرية للعلاقة الاجتماعية تضع في المركز قيمة كل كائن بشري والتي يجب الحفاظ عليها من خلال العدالة وذلك أمام أشكال نزاع مختلفة يمكن أن تنتج عن التصرفات الفردانية أو فقدان الحس العام والذي يمكن أن يشمل أيضا الأجهزة والبنى.

وتابع البابا لاوُن الرابع عشر أن التقاليد تُعَلمنا أن العدالة هي في المقام الأول فضيلة، أي موقف ثابت يحدد أفعالنا على أساس المنطق والإيمان. العدل، وحسبما يُذكر في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية هو "الفضيلة الأخلاقية التي قوامها إرادة ثابتة وراسخة لإعطاء الله والقريب ما يحق لهما". ومن هذا المنطلق فإن العدل بالنسبة للمؤمن "يهيئ لاحترام حقوق كل واحد، وجعل العلاقات البشرية في انسجام يعزز الإنصاف بالنسبة الى الأشخاص والخير العام". وهذا هدف، واصل قداسة البابا، يصبح ضمانا لنظام يحمي الضعفاء ومَن يطلبون العدل لأنهم ضحايا قمع أو استبعاد أو تجاهل.

أشار الأب الأقدس بعد ذلك إلى عدد من القصص التي يرويها لنا الإنجيل والتي تتميز فيها الأفعال بعدالة قادرة على هزيمة الشر، مثل قصة الأرملة التي تجعل القاضي يعثر على حس العدالة (لو ١٨، ١-٨). هناك أيضا عدالة أكبر، قال الأب الأقدس، مثل تلك التي تدفع للعمَلة الآخِرين مثل الأوائل (متى ٢٠، ١-١٦)، أو تلك التي تجعل الرحمة مفتاح قراءة العلاقات وتقود إلى المغفرة وذلك في إشارة إلى مثل الابن الضال (لو ١٥، ١١-٣٢)، أو تلك التي تغفر لا سبع مرات بل سبعين مرة سبع مرات (متى ١٨، ٢١-٣٥). وأضاف البابا أن قوة المغفرة المرتبطة بوصية المحبة هي ما يَبرز كعنصر مؤسِّس لعدالة قادرة على الجمع بين ما يسمو على الطبيعة وما هو بشري. عدالة الإنجيل بالتالي لا تنفصل عن العدالة البشرية بل تسائلها وتعيد صياغتها، تحفزها على التوجه دائما إلى ما هو أبعد حيث تدفعها نحو البحث عن المصالحة، قال الأب الأقدس وأضاف أن الشر لا تكفي معاقبته بل يجب إصلاحه، ما يتطلب نظرة عميقة إلى خير الأشخاص والخير المشترك. ووصف الأب الأقدس هذا بواجب صعب لكنه غير مستحيل بالنسبة لمن يلتزمون، واعين بتأديتهم خدمة أكثر إلزاما من غيرها، بالتصرف في الحياة بشكل نزيه.

ثم توقف قداسة البابا عند كون العدالة تصبح ملموسة حين يُعطى كل شخص حقه وصولا إلى المساواة في الكرامة وفي الفرص. وأضاف أننا نعي أن العدالة الفعلية ليست تلك الرسمية أمام القانون، وهذه المساواة ورغم كونها شرطا لا غنى عنه لممارسة صحيحة للعدالة فإنها لا تمحو وجود تفرقة متنامية من أول تبعاتها عدم التمكن من التمتع بالعدل. العدالة الحقيقية هي بالأحرى تمكين الجميع من تحقيق تطلعاتهم وضمان تمتعهم بالحقوق المرتبطة بكرامتهم من قِبل منظومة قيم مشتركة ومتقاسَمة قادرة على إلهام قواعد وقوانين يُبنى عليها عمل المؤسسات. وتحدث البابا لاوُن الرابع عشر هنا عن أن ما يحفز العاملين في مجال العدالة اليوم هو البحث عن أو استعادة قيم التعايش المنسية والعناية بها واحترامها. ووصف البابا هذه بمسيرة مفيدة وواجبة أمام ترسخ تصرفات واستراتيجيات تُبدي ازدراءً للحياة البشرية منذ علاماتها الأولى وتَحرم من الحقوق الأساسية من أجل عيش الإنسان، ولا تحترم الضمير الذي تنطلق منه الحريات. وشدد قداسته على أن العدالة تلعب دورها الأساسي في تعايش الأشخاص والجماعات من خلال القيم التي هي أساس عيش المجتمع. وانطلق البابا من كلمات القديس أغسطينوس للتأكيد على أهمية القدرة على التفكير دائما في نور الحقيقة والحكمة، وتفسير القوانين بالتوجه إلى الأعماق متجاوزين البعد الشكلي، وذلك لمعانقة المعنى الداخلي للحقيقة التي نحن في خدمتها.

هذا وأراد البابا لاوُن الرابع عشر التذكير بتطويبات يسوع حين قال "طوبى لِلْجياعِ والعِطاشِ إِلى البِرّ فإِنَّهم يُشبَعون" (متى ٥، ٦). وقال قداسته إن يسوع أراد هكذا التعبير عن ذلك التوتر الروحي الذي من الضروري أن نكون منفتحين عليه لا فقط لبلوغ عدالة حقيقية بل في المقام الأول للبحث عنها من قِبل مَن عليهم أن يحققوها في الأوضاع التاريخية المختلفة. وتابع قداسته أن الجوع والعطش إلى البر يعنيان الوعي بأنه يتطلب جهدا شخصيا لقراءة القوانين بأكثر إنسانية ممكنة، وفي المقام الأول السعي إلى إشباع يبلغ كماله فقط في عدالة أكبر تسمو على الأوضاع الخاصة.   

وفي ختام كلمته قال قداسة البابا إن اليوبيل يدعونا إلى التأمل في أحد جوانب العدالة غالبا ما لا يتم التركيز عليه، أي واقع بلدان وشعوب كثيرة لديها جوع وعطش للعدالة لأن ظروف حياتها غير عادلة وغير إنسانية ما يجعلها غير مقبولة. وأضاف الأب الأقدس أن المشهد الدولي الحالي يتطلب تطبيق ما كتب القديس أغسطينوس حين أكد انه بدون عدالة لا يمكن إدارة دولة وأن ما يخالف العدالة يخالف القانون بالضرورة.  

20 سبتمبر 2025, 14:01