البابا لاوُن الرابع عشر يستقبل أعضاء المجلس الوطني لمكافحة الربا
استقبل البابا لاوُن الرابع عشر اليوم السبت ١٨ تشرين الأول أكتوبر أعضاء المجلس الوطني لمكافحة الربا وذلك لمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيسه. وعقب ترحيبه بأعضاء هذه المؤسسة التي تحمل اسم البابا القديس يوحنا بولس الثاني أكد الأب الأقدس ضم صوته إلى صوت أسلافه في توجيه الشكر إلى أعضاء المجلس على الالتزام الذي يقومون من خلاله منذ ثلاثين سنة بمواجهة مشكلة لها تأثير مدمِّر على حياة الكثير من الأشخاص والعائلات.
وتحدث الأب الأقدس عن ظاهرة الربا مشيرا إلى ارتباطها بفساد القلب البشري، وهي ظاهرة مؤلمة وخطيرة تحدث عنها الكتاب المقدس، فقد أدان الأنبياء الربا والاستغلال وكل أشكال الظلم إزاء الفقراء، وذكَّر البابا بسؤال الله الذي طرحه النبي أشعيا: "أليس الصوم الذي فضلتُه هو هذا: حل قيود الشر وفك رُبط النير وإطلاق المسحوقين أحرارا وتحطيم كل نير؟" (أشعيا ٥٨، ٦). وواصل الأب الأقدس أنه كم هو بعيد عن الله تصرف مَن يسحق الأشخاص وصولا إلى جعلهم عبيدا، وتحدث بالتالي عن خطيئة لا تقتصر على الجانب المالي، بل يمكن للربا أن يؤدي إلى أزمات للعائلات وأن يستنزف الأذهان والقلوب وصولا إلى تفكير الأشخاص في الانتحار كمَخرج وحيد.
وتابع قداسة البابا متحدثا عن الأشكال المختلفة لآلية الربا، فهناك الربا الذي يبدو وكأنه رغبة في مساعدة مَن يواجه مصاعب اقتصادية، إلا أنه يكشف وجهه الحقيقي كصخرة ضخمة تخنق. وأشار البابا إلى أن من يتحمل تبعات الربا هم في المقام الأول الأشخاص الضعفاء مثل ضحايا القمار، لكن هذه التبعات تضرب أيضا مَن يواجه لحظات صعبة مثل ضرورة تِلِقي علاج طبي استثنائي أو نفقات غير متوقَّعة تتجاوز إمكانيات الأشخاص وعائلاتهم. وهكذا فإن ما كان يبدو كمساعدة يتحول مع مرور الوقت إلى عذاب.
هذا وأراد البابا لاوُن الربع عشر الإشارة في كلمته إلى أن هذا يمكن أن يحدث أيضا على صعيد الدول، وتحدث قداسته بالتالي عن أن هناك منظومات ربا مالية تُخضع شعوبا بكاملها. وتابع أنه لا يمكن تجاهل مَن يستخدمون في النشاط التجاري ممارسات ربا تؤدي إلى جوع وموت أخوتهم وأخواتهم، وذلك حسبما ذُكر في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية. وأكد الأب الأقدس أن مثل هؤلاء الأشخاص عليهم مسؤولية جسيمة وهم يغذون بنية خطيئة.
وواصل قداسة البابا أن الأسئلة التي تُطرح هي ذاتها: أليس مَن هم أقل ثراءً بشرا؟ أليس للضعفاء الكرامة ذاتها التي لدينا؟ ومَن وُلدوا في إمكانيات أقل هل تتضاءل قيمتهم ككائنات بشرية؟ وهل عليهم فقط محاولة البقاء على قيد الحياة؟ وتابع البابا لاوُن الرابع عشر أن على الإجابات لتي نقدمها على هذه الأسئلة تتوقف قيمة مجتمعاتا ويتوقف أيضا مستقبلنا، فإما أن نستعيد كرامتنا الأخلاقية والروحية أو نسقط في حفرة قذارة.
تحدث الأب الأقدس بعد ذلك ومن هذا المنطلق عن القيمة الثمينة لما يقوم به مَن يلتزم مثلكم، قال للحضور، من أجل مكافحة الربا والسعي إلى إنهاء هذه الممارسة. وتابع البابا لاوُن الرابع عشر قائلا لأعضاء المجلس أن عملهم يتماشى بشكل كبير مع روح اليوبيل وأفعاله ويمكن بالتالي اعتبار هذا العمل من بين علامات الرجاء التي تميز هذه السنة المقدسة.
ثم أراد قداسة البابا العودة إلى ما وصفها بالجذور الإنجيلية لهذه الخدمة التي يقومون بها، ودعا ضيوفه هكذا إلى التأمل حول ما فعل يسوع مع زكا والذي كان رئيس العشارين في أريحا. وقال البابا إن زكا كان معتادا على الظلم والتسلط، وكان بالتالي من الطبيعي لمثل هذا الشخص بفضل منصبه أن يستغل الأشخاص وأن يكسب من خلال تجريد الأشخاص الأكثر ضعفا. وها هو يسوع يبحث عن هذا الشخص تحديدا، واصل البابا، فيناديه ويقول له إنه يريد أن يقيم في بيته. وهنا يحدث ما لا يمكن تخيله، حيث تُدهش مجانية يسوع هذا الرجل فيعود زكا إلى أعماقه ويدرك أنه كان خاطئا ويقرر أن يعيد ما أخذ مع "الفوائد"، قال الأب الأقدس مذكرا بما جاء في إنجيل القديس لوقا حين قال زكا ليسوع: "يا ربّ، ها إِنِّي أُعْطي الفُقَراءَ نِصفَ أَموْالي، وإِذا كُنتُ ظَلَمتُ أَحداً شَيئاً، أَرُدُّه علَيهِ أَربَعَةَ أَضْعاف" (لو ١٩، ٨). وواصل البابا لاوُن الرابع عشر أن لا أحد كان يطلب من زكا كل هذا، ولا حتى الشريعة، إلا أن ما حدث هو أن لقاءه مع المسيح قد بدل قلبه، وهكذا يتغير كل شيء. فالمجانية وحدها قادرة على أن تكشف لنا حس إنسانيتنا، قال الأب الأقدس وتابع أنه حين يهيمن السعي إلى الربح لا يعود الآخرون أشخاصا، لا تعود لهم وجوه، بل يصبحون مجرد أشياء تُستغل، وهكذا ينتهي بنا الأمر إلى أن نفقد أنفسنا وروحنا. وشدد قداسته هنا على أن ارتداد مَن يتلوث بالربا يساوي في أهميته القرب ممن يعانون بسبب تعرضهم للربا.
وفي ختام كلمته إلى أعضاء المجلس الوطني لمكافحة الربا أراد قداسة البابا لاوُن الرابع عشر تشجيعهم على السير قدما في رسالتهم والتي لها أهمية أكبر لأنها تعكس التزاما جماعيا يدعمه رعاة الكنيسة. ثم أكد الأب الأقدس للحضور صلاته من أجلهم وإيكاله إياهم إلى شفاعة القديس متى الرسول ثم منحهم البركة.
