بحث

رسالة البابا إلى المشاركين في المؤتمر الوطني الإرسالي السابع عشر في المكسيك رسالة البابا إلى المشاركين في المؤتمر الوطني الإرسالي السابع عشر في المكسيك  (Copyright 2011 Brett Jorgensen Photography)

رسالة البابا إلى المشاركين في المؤتمر الوطني الإرسالي السابع عشر في المكسيك

"يدعوكم الرب، أيّها المرسَلون اليوم، لكي تكونوا أيدي الكنيسة التي تضع خميرة القائم من بين الأموات في عجين التاريخ، لكي يتمكن الرجاء من أن يختمر مجدداً" هذا ما كتبه قداسة البابا لاون الرابع عشر في رسالته إلى المشاركين في المؤتمر الوطني الإرسالي السابع عشر في المكسيك

بمناسبة انعقاد المؤتمر الوطني الإرسالي السابع عشر في بويبلا دي لوس أنجليس في المكسيك، ٦من ٦ وحتى ٩ تشرين الثاني نوفمبر ٢٠٢٥ وجّه قداسة البابا لاوُن الرابع عشر رسالة إلى المشاركين كتب فيها أُوجّه تحيّاتي القلبية إلى الأساقفة والكهنة والمُكرَّسين والمُكرَّسات وإليكم أيّها المؤمنون العلمانيون، المجتمعين في بويبلا دي لوس أنخليس بمناسبة المؤتمر الوطني الإرسالي السابع عشر في المكسيك. أشعر بابتهاج عميق لحضوركم الغفير لهذا الحدث الهام، بل ويزيد من تأثري أن أرى فيكم السخاء الذي تدعمون به العمل الإرسالي للكنيسة، من خلال الصلاة الدائمة، والتضحيات التي تقدمونها، والدعم الروحي والمادي الذي تجودون به. وبهذا، أنتم تتعاونون في مهمة البشارة العظيمة للكنيسة الجامعة، التي يتمثل أكبر امتياز وواجب لها في حمل المسيح إلى قلب كل إنسان.

تابع الأب الأقدس يقول في ضوء هذه الرسالة المشتركة، أود أن أُذكِّر بمثل قصير – عبارة عن آية واحدة – يكشف لنا فيه الرب، من خلال صورة مألوفة، عن الطريقة التي تنتشر بها كلمته في التاريخ: "مثل ملكوت السماوات كمثل خميرة أخذتها امرأة، فجعلتها في ثلاثة مكاييل من الدقيق حتى اختمرت كلها". إن الخميرة التي يتحدث عنها يسوع كانت مختلفة عن الخمائر الجافة أو الصناعية التي تُستخدم اليوم للخبز. ففي ذلك الوقت، كان الناس يحتفظون بقطع صغيرة من عجين الأيام السابقة المختمر، وكانت هذه القطع، عندما تُمزَج بدقيق وماء جديدين، تجعل العجين كله يختمر. يُشبّه القديس إيرونيموس المرأة في المثل بالكنيسة نفسها، التي يمكنها، بصبر، أن تدمج الإيمان في تاريخ الشعوب وثقافاتها لكي تُحوّلها من الداخل. من جهته، يؤكد القديس يوحنا الذهبي الفم أن "الخميرة، وإن اختفت في العجين، لا تفقد قوتها؛ لا بل هي تغيّر طبيعة العجين كله". هذه هي قوة المسيح الذي يجعل كل شيء جديداً.

أضاف الأب الحبر الأعظم يقول وهكذا حدث أيضاً في المكسيك. فقد وصلت خميرة الإنجيل في أيدي عدد قليل من المرسلين. وكانت تلك هي أيدي الكنيسة، التي بدأت تعجن الخميرة التي حملتها معها – وديعة الإيمان – بدقيق قارة جديدة لم تكن تعرف اسم المسيح بعد. وبدمجها، بدأت عملية التخمير البطيئة والرائعة. وبالتالي لم يمحُ الإنجيل ما وجده، بل حوّله. وعُجِنَ الغنى المذهل لسكان تلك الأراضي – لغاتهم ورموزهم وعاداتهم وآمالهم – بالإيمان، حتى تجذّر الإنجيل في قلوبهم وأزهر أعمال قداسة وجمال فريدة. في فجر ذلك الإيمان، منح الله الكنيسة علامة انثقاف كامل: على التيبيّاك، ظهرت أم الإله الحقيقي الذي به نحيا، كشاهد مرئي على المحبة التي اقترب بها الرب من سكان تلك الأراضي، وكجواب إيمان من شعب رفع نظره نحو مخلّصه، عازماً على تلبية دعوة العذراء، كما في قانا، ليفعل كل ما يقوله لهم.

تابع الأب الأقدس يقول لقد غدت رسالة غوادالوبي دافعاً إرسالياً. فقد قبل المبشرون الأوائل – من الأبرشيين والفرنسيسكان والدومينيكان والأوغسطينيين واليسوعيين – بأمانة مهمة القيام بما طلبه المسيح منهم. وحيثما بشروا، ازدهر الإيمان، ومعه ازدهرت الثقافة والتعليم والمحبة. وهكذا، استمر العجين في الاختمار شيئاً فشيئاً، وصار الإنجيل خبزاً قادراً على إشباع أعمق جوع لذلك الشعب. ومن بين الذين استمروا في عجن الإيمان في تلك الأراضي، تبرز في بويبلا شخصية الطوباوي خوان دي بالافوكس إي ميندوزا، الراعي والمُرسَل الذي رأى في خدمته الكهنوتية نموذجاً للخدمة والخميرة. أتذكر جيداً، عندما زرت بويبلا كرئيس عام للرهبنة الأوغسطينية، كيف كانت صورة الطوباوي لا تزال حية في ذاكرة الشعب؛ لقد تركت أبوته أثراً عميقاً لدرجة أننا لا نزال نشعر بها اليوم أيضًا في إيمان المؤمنين البسيط.

أضاف الحبر الأعظم يقول إن مثال هذا الأسقف القدوة يسائل رعاة اليوم، لأنه يُعلِّم أن الإدارة هي خدمة، وأن التنشئة بجدية هي بشارة، وأن كل سلطة، حين تُمارس وفقاً لمعيار المسيح، تصبح مصدر شركة ورجاء. يُظهر لنا بالافوكس في حياته وكتاباته أن المُرسَل الحقيقي لا يتسلط، بل يُحب؛ لا يفرض، بل يخدم؛ ولا يستغل الإيمان لتحقيق مكاسب شخصية – لا مادية ولا سلطوية ولا مكانة – بل يقسم الإيمان كالخبز. إن زمننا يقدّم نفسه كرحى تطحن آلام الفقر، والانقسامات الاجتماعية، وتحديات التقنيات الجديدة، والتوق الصادق إلى السلام، وكلها تُطحن كدقيق جديد يواجه خطر أن يختمر بـ "خميرة شريرة". لهذا السبب، يدعوكم الرب، أيّها المرسَلون اليوم، لكي تكونوا أيدي الكنيسة التي تضع خميرة القائم من بين الأموات في عجين التاريخ، لكي يتمكن الرجاء من أن يختمر مجدداً.

تابع الأب الأقدس يقول لا يكفي أن نقول: "يا رب، يا رب"، بل يجب علينا أيضاً أن نعمل بمشيئة الآب. يجب أن نكون مستعدين لكي نضع أيدينا في عجين العالم! لا يكفي الحديث عن الدقيق بدون أن نلطخ أيدينا؛ بل يجب أن نلمسه – كما قال الذهبي الفم – أن نختلط به، وأن ندع الإنجيل يمتزج بحياتنا لكي يُحوّلها من الداخل. هكذا سينمو الملكوت، ليس بالقوة أو الأعداد، بل بصبر الذين يستمرون، بإيمان ومحبة، في العجن مع الله.

وختم البابا لاون الرابع عشر رسالته بالقول أعلم أن الكنيسة الكاثوليكية في المكسيك تسعى لعيش دعوة المسيح هذه بالكامل؛ لذلك أشكركم على جهودكم السخية وأشجعكم على أن تكونوا دائماً مُرسَلين وفقاً لقلبه الإلهي، حجاج رجاء وصانعي سلام. ليجعل الرب يسوع جميع مبادراتكم مثمرة، ولترافقكم مريم العذراء سيدة غوادالوبي، نجمة البشارة، دائماً بحنان أمومتها، وتدلكم على الدرب الذي يقود إلى الله. بمحبة، أمنحكم من كل قلبي فيض البركة الرسولية، مؤكداً لكم صلاتي وقربي. استمروا في العمل بأمانة، حتى "يختمر العجين كله".

07 نوفمبر 2025, 16:51